روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | عشرة مشاريع.. للائتلاف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > عشرة مشاريع.. للائتلاف


  عشرة مشاريع.. للائتلاف
     عدد مرات المشاهدة: 2163        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجعين..

لقد ذم الله تعالى التفرق والاختلاف ونهانا عنه بقوله جل وعلا: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [آل عمران: 105] .

وبين سبحانه أن الاختلاف سبب رئيس من أسباب الهزيمة والانكسار فقال تعالى: (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) [آل عمران: 152] .

وكان من أعظم التوجيهات الإلهية لهذه الأمة الأمرُ بالاعتصام بحبل الله تعالى وعدمُ التفرق كما قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) [آل عمران: 103] .

إذا علم ذلك كله كان من الواجب أن يسعى العلماء وطلبة العلم والمربون وأصحاب التأثير إلى العمل على توحيد الأمة، وذلك بالسعي إلى جمع كلمة أهل القرار والتأثير فيها، ومن ثَمَّ إشاعة روح التآلف بين أفراد الأمة والوعيِ بضرورة ذلك في هذه الأيام على وجه الخصوص .

وإن ما وقع فيه الجميع من الاختلاف والتنازع حول مسائل متعددة له أثر بين في واقع الأفراد والشباب على وجه الخصوص، حيث ينتقل الخلاف دون وعي بأسبابه وأثره إلى الأتباع مما يؤدي إلى التراشق أو الاتهام أو الهجر أو التنقص أو غير ذلك من آثار الاختلاف المذمومة .

وعند التأمل في واقع شباب الصحوة اليوم فلا شك أن الهموم الإسلامية الكبرى قد أخذت مساحة كبيرة من الجدل والنقاش بدافع الحمية والنخوة الإسلامية والولاء لهذه الأمة المرحومة .

ومع كون ذلك أمرًا إيجابيًا وظاهرة صحية، إلا أنه قد أتبع ذلك بوجود التفرق في وجهات النظر، ثم أتبع ذلك باللمز والهمز للمخالف أيًا كان، وكيفما كان وزنه العلمي وعلوُّ كعبه في علوم الشريعة، ولذا كان من السهل أن يرد الشاب المبتدأ في طلب العلم على كبار العلماء وأهل الاختصاص .

وفي هذه الورقة المختصرة مشاريع متعددة للائتلاف عسى الله أن يجمع كلمتنا ويوحد صفوفنا في مواجهة الكيد العالمي لهذه الأمة المرحومة:

المشروع الأول: الوعي باختصاص العلماء في الحكم:

قال الله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [النساء: 83] .

إن العلم الشرعي كغيره من العلوم من تكلم فيه من غير أهله وقع في الخطأ تصديقًا للقولة الشهيرة: (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) .

ومع وضوح هذا المفهوم في ديننا الشرعي كما في قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال)، إلا أن الواقع يشهد فوضًا عارمة في مجال العلم الشرعي في جهتين:

جهة دخول غير المتخصصين في المسائل الشرعية خصوصًا المسائل الكبرى .

وجهة ضعف الرادع الرسمي لمثل هذه التدخلات .

ولا شك أن هذه التدخلات أدت إلى وجود الآراء الشاذة والضعيفة، كما أوجدت اختلافات لا داعي لها في مسائل شرعية، كان يمكن اجتنابها لو ترك الأمر للعلماء وأهل الاختصاص .

ومع تأكيدنا لهذا المفهوم في جميع التخصصات كالطب والهندسة وغيرهما إلا أننا نزيد الأمر تأكيدًا في العلم الشرعي لخطورة انفلات الأمر كما هو المشاهد من وجود الانحرافات الخطيرة التي تعصف بالمجتمع والتي تستند على فتاوى تفتقد إلى التحرير العلمي والصادرة من غير المؤهلين للفتوى .

المشروع الثاني: إحسان الظن بالعلماء والمجتهدين والثقة بهم:

إن الأصل في المسلم الحق أن يكون صدره سليمًا تجاه المسلمين كلهم، فلا يحمل أعمالهم إلا على أحسن الوجوه والمقاصد، ولذا كان يقول عمر رضي الله عنه: " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلمِ سوءًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا ".

وإذا كان ذلك موقف المسلم من عموم المسلمين فلا شك أن أولى الناس بهذا هم العلماء الذين زكاهم الله تعالى في كتابه فقال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .

إن العلماء هم شهداء الوحدانية، أهل النقاء والصفاء والرتب العالية، أنوار الأرض وأعلام الطريق، أهل المنازل العالية البعيدة .

فيا أيها السالك في مراتب العلم، والمرتقي في درجات الفقه والفهم، أيها الطالب الحبيب والتلميذ النجيب، يا شابًا بدأ يسير في طريق السعادة، أيها المهتدي إلى سبيل النجاة، الله الله، في شهداء الوحدانية .

ويا مربيًا سار في طريق الأنبياء، وقام بمهمة الأتقياء الأنقياء، إلزم غرزهم فهم على الوحدانية شهداء.

أيها السائر في ظلمات الليل، أرأيت النجوم كيف تهدي السائرين، فهؤلاء هم أنوارنا وأعلامنا نهتدي بهم في طريق الدنيا والآخرة .

رفعهم ربُّهم فكانوا نجومًا، وسموا في درجاتهم فكانوا شهداء الوحدانية،) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: من الآية11] .

هم .. عمادُ الناس في أمر الدين والدنيا، أهل الاستنباط والفتيا، الأئمة الذين يهدون بأمر الله، ورثة الأنبياء، النافرون للتفقه في الدين، هم الجماعة الواجب اتباعهم .

أهل العلم والرسوخ، والنسك والخشية، والاستعلاء على الدنيا، أئمة الهدى ومصابيح الدجى .

أوجب الله طاعتهم فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: من الآية59].

وأخبر الله أنهم أهل الخشية: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر: من الآية28].

والله يضرب الأمثال للناس: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: من الآية43] .


أهل العلم شهداء في الآخرة: (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) [النحل: من الآية27] .

(وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الروم:56] .


أهل العلم نصحة بررة، نصحاء لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام ولدينه ولأئمة المسلمين وعامتهم: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص:80]. إنه لا يوازي تعديل الله تعالى للعلماء تعديل، ولذا كان من الواجب تجاه ذلك التعديل الثقة بطلاب العلم وتسليمهم زمام الأمور في المسائل الشرعية وتلقي ما يصدر منهم من تصرفات بثقة منبعها حسن الظن بهم. وعدم التدخل فيما لا يحسنه غيرهم .

إن ثقة المسلم بالعالم في مسائل الشرع لمن أعظم أسباب الراحة وجمع الكلمة، حين يكون كلام العلماء محمولًا على الورع والصدق والخشية والنصح للناس .

وإن مما لا يقضي المسلم منه عجبه أن يتطاول المبتدئون في الطريق بالتخطئة ولما يحسن المرء منهم حفظ شيء من الكتاب والسنة .

المشروع الثالث: سمعنا وأطعنا:

إن من السمات التي أنكرها الرب العظيم على بني إسرائيل الاعتراضُ وعدمُ القبول، إذ قالوا: (سمعنا وعصينا) .

إن السمع والطاعة لله تعالى شرط من أعظم شروط الإيمان التي يجمع الله بها القلوب على الطريق، والناظر بعين البصيرة في حال كثير من الناس والمهتمين بالهموم الإسلامية يلحظ ما يشبه تلك القالة المنكرة، حين يكون حال المستفتي البحث عن ما يوافق هواه لا عما يريده الشرع ..

وإن من أعظم الظواهر لهذه الصفة الذميمة تقييم الأشخاص لا بحسب البذل للدين والنصح للأمة والدعوة إلى سبيل الحق، وإنما بحسب موافقة ما في النفس من المفاهيم والآراء المفتقرة في حالها إلى كثير من التحرير والمراجعة ..

ما الفرق بين أن يتبع المرء هواه، وبين أن يحلل مسائل الدين والأمة بحسب تفكيره بعيدًا عن الأدلة الشرعية وكلام العلماء ..

وما الفرق بين أن يتبع المرء هواه، وبين أن يبيت نية القبول إن وافق كلام العالم ما يعتقده، ونية الرفض إن خالف ما يريد ..

المشروع الرابع: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم:

لقد كان التوجيه الإلهي الكريم عند السؤال مخصصًا بأهل الذكر في قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

فالسؤال والأخذ إنما يكون من العلماء المشهود لهم بالعلم ..

إنه ليس المقياس في الجودة والرسوخ الحرارة أو الجرأة على التخطئة العلنية، بل إن المعيار في ذلك كله هو العلم والرسوخ في مواطن الشبه، قال ابن القيم: " إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكًا، لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردَّها حَرَسُ العِلْمِ وجيشُه مغلولةً مغلوبة ". (مفتاح دار السعادة) .

ويعرف العالم بالجهاد والدعوة والبذل .

كما يعرف العلماء بالنسك والخشية لأنهم أعرف الناس بالله .

ويعرف بالقبول العام قال شيخ الإسلام: " ومن له في الأمة لسان صدق عام بحيث يُثنى عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى ".

ويعرف العالم بشهادة المشايخ له بالعلم: قال الإمام مالك: " لا ينبغي لرجل يرى نفسه أهلًا لشيء حتى يسأل من كان أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك، ولو نهياني لانتهيت ".

وقال: "وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم أني موضع لذلك".

ويعرف العالم بدروسه وفتاويه ومؤلفاته: قال الإمام أبو طاهر السِّلفي عن الإمام الخطابي: " وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود، فإذا وقف منصف على مصنفاته واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته". فانظر كيف حكم على علمه بالاطلاع على مصنفاته وكتبه .

إن من العجيب أن يتكلم في مسائل العلم تصحيحًا وترجيحًا، واختيارًا وتضعيفًا أهل الانحراف الفكري من أتباع الحضارات الكافرة، فمن مقترح لحذف السنة النبوية إلى مفتٍ في قضايا الأمة بفكر الغرب وأهله إلى ملغٍ لأبواب متعددة من العقيدة والفقه، امتدادًا لذلك التيار المفسد الذي ابتدأه أهل مسجد الضرار ومر عليه ابن سبأ باسم حب آل البيت إلى هؤلاء الذين يدعون حب الإسلام والنصح للمسلمين .

والسؤال لكل أخ حبيب أن لا يلقي من لا يُعرف بعلم أذنه كما قيل: " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ".

المشروع الخامس: الوعي بأثر التفرق على الأمة:

إن اجتماع الكلمة وتوحد الصفوف لمن أعظم أسباب العزة والنصر، وأعظم ذلك الاجتماع هو اجتماع القلوب: (واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا) .

إن من أهم أسباب الائتلاف معرفة ما يقدمه اختلافنا للأعداء من الكفرة والمنافقين الذين يغذون روح العداء بين المسلمين وأهل الخير على وجه الخصوص .

المشروع السادس: لا تقل فيما لا تعلم:

إننا في طريق الائتلاف نناشد كل مسلم أن يحمي نفسه من الوقوع في أعظم المحرمات وهو القول والافتراء على الله، إن تضارب الفتاوى واختلافها ومن ثم اختلاف أتباعها كان يمكن التخفيف منه لو لزم كلٌّ منزلته ولم يتطاول على مراتب غيره ..

إنه لا يحق لكل أحد أن يقول في ما يكون مصدره الشرع الإسلامي بل الواجب أن يحال ذلك إلى أهله وأربابه ورحم الله الصحابة رضي الله عنهم فلقد كانوا يتدافعون فتاوى يتلقفها من لا يبلغ ذرة من علمهم وفضلهم .

أيها الأخ المبارك ما الذي يدعوا الكثير أن يحكم في مسائل تعصف بالعالم الإسلامي يتوقف في الحكم بها هيئات إسلامية كبرى تجمع كبار العلماء والمتخصصين .

أيها المحب ها هي حدود الشرع وأعلامه بادية لكل أحد فلا نجعل لأنفسنا من المكانة أكثر مما تستحق ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه والسعيد من وُعظَ بغيره .

المشروع السابع: تحكيم العقل والبعد عن الانجرار خلف العواطف المجردة:

لقد خاطب الله في الإنسان عقله وفؤاده في غير ما آية وبين أن عظات الكتاب إنما هي لأولي الألباب والنهى والعقول الراجحة: (أليس في ذلك قسم لذي حجر) .

إن حماس المسلم وعاطفته الجياشة تجاه الهموم الإسلامية لهو دليل انتمائه الحقيقي لأمته الكبرى، إلا أن ما ينتج عن ذلك الحماس والعاطفة من تصرفات ينبغي أن تكون منضبطة بما يمليه الهدي النبوي الكريم على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم .

ومن أفراد هذا المشروع أن يفرق المسلم بين الأعمال القلبية الواجبة عليه تجاه المسلمين والكافرين وبين ما يصدر عن تلك الأعمال القلبية من أعمال الجوارح .

فلا يحق لمسلم أن يفسر بغضه للفساق بالاعتداء والظلم، ولا حبه للمؤمنين بالتبرئة من كل خطأ والتقديس .

إن تحكيم العقل بمعرفة نتائج الأعمال ولواحقها لمن أسباب الائتلاف العظمى ..

المشروع الثامن: لا تتحمل ما لا تطيق:

أيها المسلم ..

إن هذا الدين مراتب ومدارج بعضها أرقى من بعض وواجبات تترقى بحسب المنزلة، فيجب على العالم ما لا يجب على الجاهل ويجب على الغني ما لا يجب على الفقير وهكذا يجب على المستطيع ما يجب على العاجز .

إن من الخطأ الكبير أن يحمل المرء نفسه ما لا تحتمل سواء كان ذلك في العبادة أو التربية أو العلم أو غيرها ..

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس مراتب حتى في الإنكار فمن الناس من لا يستطيع الإنكار إلا بقلبه فله ذلك ولو أنكر بقوله لأفسد أشد الإفساد، ومن الناس من لا يستطيع الإنكار إلا بقوله ولو فعل بيده لزاد الأمر سوءًا ..

وإذا رضي المسلم منزلته التي وضعه الله فيها فهو على خير عظيم ولا تطالب غيرك بأكثر مما يستطيع..

إن معرفة أقدار الناس وما يستطيعون يعطي المسلم أمانًا بإذن الله من التثريب واللوم على من لا يستحق .

ومن ذلك مراعاة التخصص: عن ابن عباس قال: " خطب عمر بن الخطاب الناس بالجابية وقال: يا أيها الناس من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل ".

وقال الإمام أحمد: " قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى آخذ به ".

المشروع التاسع: الانشغال بالعمل وعدم الإغراق في التنظير:

إن الناظر في سير النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ليتملكه العجب من تلك الحياة العلمية العظيمة وتلك الإنجازات الباهرة التي تحققت على مدار خمسة وعشرين عامًا ..

وإن من أسوأ ما ابتلي به الناس اليوم كثرة التنظير والحديث البعيد عن العمل وتقديم المشاريع والكيل للغير بمكيال اللوم والتقصير .

فانزع نفسك يا رعاك الله من كثرة الحديث إلى كثرة العمل وتقديم الحلول الواقعية، وابتعد عن الحديث في الأخطاء إلا من جهة الإصلاح .

المشروع العاشر: البعد عن التضليل والتفسيق والاتهام:

إن من أعظم أسباب الائتلاف ذكر أهل العلم بالجميل قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: " وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهلُ الخير والأثر، وأهلُ الفقه والنظر، لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل".

إن من مذهب أهل السنة التحذير من القدح في العلماء: إذ هو سبيل من سبل أهل الزيغ والضلال، قال الإمام عبد الله بن المبارك: " من استخف بالعلماء ذهبت آخرته " (الذهبي في السير: 17/ 257).

والاستهزاء بهم أشد وأشد: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة:65]. قال الإمام الحافظ ابن عساكر الدمشقي: " واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته: أن لحوم العلماء ـرحمة الله عليهم ـمسمومةٌ.

وعادةَ الله في هتك أستار منتقصيهم معلومةٌ، لأن الوقيعةَ فيهم بما هم منه برآء أمرٌ عظيم، والتناولَ لأعراضهم بالزور والافتراء مرتعٌ وخيم، والاختلافَ على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلقٌ ذميم " (تبيين كذب المفتري).

كما ينبغي الحذر من التخطئة بغير علم: إما تخطئته وهو على صواب: قال أبو كامل البصري: سمعت بعض مشايخي يقول: كنا في مجلس أبي خَنْب فأملى فضائل علي رضي الله عنه بعد أن كان أملى فضائل الثلاثة إذ قام أبو الفضل السليماني وصاح أيها الناس هذا دجال فلا تكتبوا وخرج من المجلس لأنه ما سمع بفضائل الثلاثة .

وأشد من ذلك أن يحكم عليه جاهل لا يعرف العلم كما هو الحال والله المستعان .

إن مجال الاختلاف بين العلماء مجالٌ واسع قد أقره الشارع الحكيم اتباعًا لما يمليه الاجتهاد على العلماء إلا أنه لم يكن من هدي السابقين أن يكون ذلك الاختلاف مدعاة إلى التبديع والتفسيق والتضليل .

وإن مما يؤلم القلب ويحزن الفؤاد أشد الحزن أن يتطاول عدد من محبي العلم على المشهود لهم بالخير والعلم والدين بحجة حماية العلم وبيانه ولو أنصف لحمى من نفسه قبل غيره .

والله الموفق،،،

موقع الدكتور: فهد مبارك الوهبي